البارّ مقدونيوس القورشي

mjoa Wednesday January 24, 2024 325

all_saintsكتب عنه ثيودوريتوس، أسقف قورش، سُمِّي بآكل الشعير لأنّه بقيَ أربعين سنة لا يأكل إلّا الشعير المطحون المبلَّل بالماء. ذاع صيتُه في كلّ فينيقية وسورية وكيليكيا. عاش في الجبال، لم يكن له موطن محدّد، أقام تارة هنا وتارة هناك هربًا من الناس والمجد الباطل. عاش على هذا النحو خمسة وأربعين سنة لا خيمة ولا صومعة. دُعي أيضًا بساكن الجبّ. كان سريانيًّا ولا يعرف اليونانيّة. رضي أخيرًا أن يقيم في صومعة، فسكن في بيوت صغيرة لا يملكها خمسة وعشرين عامًا. مجموع سِني جهاده بلغ السبعين. بعد أربعين سنة لم يتناول خلالها غير الشعير، قرّر تناول الخبز لأنّه شعر بالتعب وأنّه إذا استمرّ على هذا النحو فسيموت. فلكي يزيد من ثروته للحياة الأخرى، أي أتعابه النسكيّة، قرّر أن يأكل الخبز ليتقوّى ويعيش مدّة أطول. على أثر ارتقاء فلافيانوس كرسيّ أنطاكية العظمى سنة 381 م، ولدى اطّلاعه على فضيلة الرّجل، أرسل في طلبه بحجّة أنّ هناك شكوى ضدّه. فنزل مقدونيوس لا يلوي على شيء. وأثناء الخدمة الإلهيّة أمر الأسقف الناسك بالدنوّ من الهيكل، فتقدّم وهو لا يفهم ممّا يجري شيئًا، فجعله فلافيانوس كاهنًا. في نهاية الخدمة شرح له أحدهم ما جرى له فاحتدّ وأخذ يوجّه للجميع كلامًا قاسيًا. كما أخذ عصاه وصار يلاحق رئيس الكهنة وسائر الذين كانوا هناك يروم ضربهم لأنّه ظنّ أنّ السيامة الكهنوتية تمنعه من متابعة سيرته السابقة. وبالجهد تمكّن بعض رفاقه من تهدئته. ولمّا كان الأحد من الأسبوع التالي، رغب فلافيانوس في أن يشترك مقدونيوس، كاهنًا، في الخدمة. فأجاب المرسَلين: “أما كفاكم ما جرى! تريدون منى الآن أن أصير كاهنًا مرّة أخرى؟!” وعبثًا حاولوا إفهامه أنّ الشرطونية لا تُعاد فلم يشأ ولم يذهب. على هذا القدر من البساطة والعفوية والطفوليّة كان مقدونيوس. نُقل عنه أنّه التقى مرة أحد القادة العسكريّين في الجبال. فسأله مقدونيوس: “ماذا أتيتَ تعمل هنا؟” فأجاب:”أتيت لأصطاد”. فقال له مقدونيوس:”وأنا أيضًا هنا لأصطاد الله. فإنّي متشوّق إلى امتلاكه وأرغب في مشاهدته ولا أتعب من معاطاتي هذا الصيد الجميل!”.  كذلك أخبروا عنه أنّه لمّا حصلت ثورة في أنطاكية وحطّم الناس التماثيل الملكيّة، وفد إلى المدينة قائدان عسكريّان مزوَّدان بأمر ملكيّ يقضي بإبادة المدينة. فنزل مقدونيوس من جبله والتقى القائدَين لدى مرورهما في الساحة العامة. فلمّا عرفا من يكون، ترجّلا وبادراه التحيّة. فالتمَس منهما أن يبلّغا الملك أنّه هو أيضًا إنسان ومن طبيعة الذين أهانوه لمّا حطّموا تمثاله وتماثيل أفراد عائلته. وأنّ عليه أن يجعل غضبه متناسبًا مع طبيعته ولا يتجاوز في انتقامه حدود الطبيعة فيقضي بإبادة صور الله، أي سكّان المدينة، ردًّا على تحطيم التماثيل، ويحكم بالموت على الأحياء في مقابل تماثيل من النحاسيّة الميتة. ثمّ أضاف: “نستطيع بسهولة أن نعمل من جديد تماثيل من نحاس، ولكنّك أنت، ولو كنت ملكًا، لا تقتدر أن تعيد الأجساد التي تكون قد أبدَتها، ولا حتّى أن تعيد إليها شعرة واحدة”. هذا ما قاله مقدونيوس للقائدَين عبر مترجم، فسمعاه بتوقير ووعداه بأن يبلّغا الملك. هذا وقد روى عنه ثيودوريتوس الذي عرفه شخصيًّا أنّه شفى امرأة من مرض الجوع الكلبيّ، أي الأكل بلا توقّف ومن دون شبع. كما أخرج شيطانًا من فتاة شابة وأعاد أخرى إلى صوابها وتمتّع بموهبة النبوءة، وأنّ بفضله حبلت أم ثيودوريتوس به. ولمّا رقد مقدونيوس في الرب ممتلئًا أيّامًا، قامت كلّ أنطاكية تسير في جنازته إلى حيث وُري الثرى بجانب رجل الله أمرآات وثيودوسيوس.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share