1- كيف جلس الربّ يسوع على الأتان والجحش كليهما؟
“وَأَتَيَا بِالأَتَانِ وَالْجَحْشِ، وَوَضَعَا عَلَيْهِمَا ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ حول عَلَيْهِمَا” (متّى 21: 7).
بقوله هذا، شدّد الإنجيليّ متّى على تحقيق نبوءة النبيّ زكرّيّا حرفيًّا، رغم اتّهام البعض له أن قد فاتته الموازاة الشعريّة، أي التّكرار المألوف في الشّعر العبريّ والّذي يعيد الكلام نفسه، والّذي قصد من خلاله النبيّ زكريّا حيوانًا واحدًا لا إثنين: “…هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ…رَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ” (زك 9: 9). غير أنّ الإنجيليَّ متّى تقصّد الكلام على حيوانين اثنَين، فلماذا قام بذلك؟
في التّرجمة السّبعينيّة، وهي ترجمة العهد القديم من اللّغة العبريّة إلى اللّغة اليونانيّة والّتي تمّت في القرن الثّالث قبل الميلاد، نقرأ “راكبٌ على حيوان نير ipoziyon وعلى جحش جديد”. وعند الإنجيليّ متّى نقرأ عن:
1- أتان: onon
2-جحش: polon
ابن: ion
حمار: ipoziyiou
المُلفت أنّ كلمة ipoziyiou تتألّف من كلمتين:
1-إيبو/ ipo وتعني تحت (سلطة)
2- زييو/ ziyiou: وتعني النّير. والنّير بحسب الكتاب المقدّس يشير إلى نير الشّريعة الموسويّة.
من هنا ترمز الأتان إلى اليهود الّذين هم تحت نير الشّريعة، أمّا الجحش فيرمز إلى الأمم. ولذلك يكون جلوس يسوع عليهما كليهما إشارة إلى أنّ يسوع هو مَن يقود اليهود والأمم ليدخلهم إلى أورشليم الجديدة.
ويتابع النّبيّ زكريّا: “وَأَقْطَعُ الْمَرْكَبَةَ مِنْ أَفْرَايِمَ (المملكة الشّماليّة: إسرائيل) وَالْفَرَسَ مِنْ أُورُشَلِيمَ (المملكة الجنوبيّة: يهوذا) وَتُقْطَعُ قَوْسُ الْحَرْبِ. وَيَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِلأُمَمِ، وَسُلْطَانُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ” (زك 9: 10)، “وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ الْبَاقِي مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ الَّذِينَ جَاءُوا إلى أُورُشَلِيمَ، يَصْعَدُونَ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ لِيَسْجُدُوا لِلْمَلِكِ رَبِّ الْجُنُودِ وَلِيُعَيِّدُوا عِيدَ الْمَظَالِّ. وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لاَ يَصْعَدُ مِنْ قَبَائِلِ الأَرْضِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيَسْجُدَ لِلْمَلِكِ رَبِّ الْجُنُودِ، لاَ يَكُونُ عَلَيْهِمْ مَطَرٌ”.( أي لا تكون لهم حياة) (زك 14: 16)
هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى يبدأ الإستشهاد في إنجيل متّى بآية من النبيّ إشعياء: ” قولوا لابنة صهيون”( إشعياء 62: 11). هذا يعني أنّ النبيّ إشعياء والنبيّ زكريا اللّذين يشدّدان على خلاص اليهود والأمم كليهما كانا في ذهن الإنجيليّ متّى ودفعاه إلى ذكر الأتان والجحش كليهما لأنّ الخلاص لا يتحقّق إلّا بخلاص الفئتين. إذًا يسوع هو الملك الأخرويّ الموعود به عند الأنبياء. سلطانه يمتدّ على اليهود والأمم على السّواء، وهو يكلّمهم بالسّلام، هو ملك السّلام.
2-وماذا يقول آباء الكنيسة بهذا الصدد؟
آباء الكنيسة يدعمون هذا التّفسير عن الأتان والجحش الّذي يُظهر أنّ الأتان تدلّ على اليهود والجحش على الأمم.
فالقدّيس كيرلّس الكبير يقول:
من المحتمل أنّ الأتان الأكبر سنًّا ترمز إلى مجمع اليهود إذ صار بهيميًّا، لم يعطِ النّاموس إلّا اهتمامًا قليلًا، مستخفًّا بالأنبياء والقدّيسين. وقد أضاف إلى ذلك عصيانه للمسيح الّذي دعاه إلى الإيمان وإلى فتح عينيه. أمّا الجحش الّذي لم يكن قد استُخدم للركوب، فيمثّل الشعب الجديد الّذي دُعي من بين الوثنيّين”.
العلّامة أوريجانس يقول: “رُمز للمجمع اليهوديّ القديم بالأتان إذ كان مقيّدًا بخطاياه. وكان أيضًا معها الجحش مقيّدًا، كرمزٍ للشّعب الحديث الولادة من الأمم”.
ويقول القدّيس يرونيموس: “أرسل تلميذيه، أحدهما لأهل الختان والآخر للأمم”.
3-وماذا نقرأ في كتاب التّريودي؟
أمّا في كتاب التّريودي، الكتاب الّذي يحوي صلوات الصّوم، فنقرأ في سنكسار أحد الشّعانين: “…وأمّا الجحش فكان رمزًا عن شعبنا الّذي من الأمم الّذي جلس عليه المسيح مستريحًا وظهر غالبًا وظافرًا فنوديَ به ملكًا على كلّ الأرض.
ونقرأ في صلاة مساء الشّعانين: “…الجلوس على الجحش سبق فرسم جموح الأمم المنتقلة من الكفر إلى الإيمان”.
وممّا نقرأ في صلاة السّحر: “يا صهيون جبل الله المقدّس ويا أورشليم ارفعي ألحاظك حولك وانظري بنيكِ ملتئمين فيك، لأنّهم قد وافوا من بُعد ليسجدوا لملكك. سلامٌ لإسرائيل وخلاصٌ للأمم”. هذه القطعة تؤكّد الخلاص المدعوة إليه كلّ الأمم، كما سبقت الإشارة في نبوءة زكريّا.
وأيضًا: “قد أقبل المسيح ملكك يا صهيون راكبًا جحشًا حدثًا لأنّه حضر ليحلّ ضلال الأوثان البهيميّة وجموح كلّ الأمم”.
4- ما هي دعوة عيد الشّعانين لنا اليوم إذًا؟
يقول القدّيس يرونيموس: ” كما أرسل السيّد تلميذَيه ليحلّا الجحش ابن الأتان ليمتطيه، هكذا يرسلهما إليك ليحلّاك من اهتمامات العالم، فتترك ما هو لمصر وتتبعه بكونه موسى الحقيقيّ وتدخل أرض الموعد عبر البرّيّة”. إذًا في أحد الشّعانين لا بدّ أن تحمل يسوع، أن تجلسه على كتفيك ليقود خطاك نحو أورشليم السّماويّة.
وهذا يدلّ أنّنا نحجّم العيد بجعله عيدًا للصّغار وكأنّنا نحن الكبار نستقيل من استقبال السيّد. والملفت للنّظر أنّه عند الإنجيليّين الثّلاثة مرقس ولوقا ويوحنّا لا يوجد أي ذكرٍ للأطفال في حادثة الشّعانين. وحتّى عند الإنجيليّ متّى الكلام على الأولاد لم يكن في سياق دخول يسوع على الجحش إلى أورشليم بل بعد أن دخل إلى الهيكل وقلب موائد الصّيارفة، وشفى بعض العرج والعميان. بعد هذا نسمع أنّ الفتيان كانوا يصيحون في الهيكل ويقولون “هوشعنا لابن داود”. حَمْلُ الأولاد على الأكتاف كانت له ضرورة عمليّة بحسب مذكّرات إيثيريّا السّائحة الإسبانيّة الّتي زارت الأراضي المقدّسة في القرن الرّابع والّتي تذكر كيف كان المؤمنون يتوجّهون من أورشليم للصّلاة في جبل الزّيتون، ثمّ في الموضع الّذي صعد الربّ يسوع إلى السّموات وبعد ذلك ينحدرون من الجبل: “وجميع الأولاد الصّغار، حتّى الّذين لا يقوَون على السّير يحملهم والدوهم على أكتافهم…”. إذًا الأولاد الصّغار كانوا يحُملون لعدم قدرتهم على المشي وليس لأنّ العيد متمحورٌ حولهم.
إذًا عيد الشّعانين دعوة لكلّ واحد منّا أن يجدّد اعترافه بالمسيح ملكًا وربًّا ويسلّمه دفّة حياته حتّى يقوده نحو أورشليم السّماويّة. وكما يقول المطران جورج خضر: “ركب على جحشٍ ودخل دخول المتواضعين إلى مدينة الكبرياء. لامس بهيمةً لكي يعتقنا من البربريّة. مسّ حيوانًا لكي لا يبقى شيءٌ من البهيميّة في إنسان، لكي تُمحى الخطيئة الّتي فينا ونصبح للمسيح أنقياء فنسير مع الربّ في طريق آلامه وفي طريق الظّفر”.
لبنى فارس الحاج