“من هو اللاهوتي” – الأرشمندريت إميليانوس الذي من سيمونوبترا
هل تَعلمُ مَن كان أَوَلَ اللاهوتيين؟
أعتَقِدُ أنَ كلّ المعمَّدينَ المسيحيينَ، بطريقةٍ ما، هُم لاهوتيون. أولاً يَجِبُ تعريفُ المصطلحاتِ، “اللاهوت” و-“اللاهوتي”. كما هو معروفٌ عندَ الشعب، “اللاهوتُ” يعني “الكلامَ عن الله”. مِن هذه الرؤيةِ، اللاهوتُ يُحدَّدُ بأعمالٍ مثلَ الوعظِ والكتابةِ والمقالاتِ التي تتحدّثُ حولَ اللهِ والمواضيعِ المختَصَةِ بِهِ. أيُّ انسانٍ مرتبطٌ بِمِثلِ هَذِهِ الأعمالِ هو لاهوتيٌ.
لكن، إن ارَدنا فَهمَ المعنى بالكليّةِ، تجِبُ علينا العودةُ إلى بدايَةِ تاريخِ اللاهوتِ ورؤيةُ مَن كانَ أولَ اللاهوتيينَ.
أَوَلُ مَن تَكَلَّمَ عن مواضيعَ تَتَعلَّقُ باللهِ، هو اللهُ نَفسُهُ. في قصَةِ الخلقِ، حيثُ قالَ بوجودِ النورِ والسماءِ واليابسةِ (تكوين، ١، ٣، ٦ ، ٩) وَلَم تَكُن هَذِهِ في إطارِ الأقوالِ فَقَط انما بالأعمال. تَشاورَ مَعَ نَفسِهِ وقالَ بَعدَها “لِنَصنَعَّنَ الإنسانَ على صورَتِنا وَمِثالِنا”، وتعني هذه العبارةُ أَنَ الإنسانَ أيقونةُ اللهِ بوجودِهِ.
في خَلقِ الإنسانِ، كَشَفَ اللهُ نفسَهُ مِن خِلالِ اعمالِه. وكانَ هذا العملُ بِخلقِ الأشياءِ المنظورَةِ وَغيرِ المنظورَةِ، فَمَن تكلّمَ أولاً عن اللهِ، هو اللهُ نَفسُهُ بِعَمَلِهِ كفاعلٍ في الخلقِ والخليقَةِ.
بَعدَ هذا، اللاهوتيُّ الثاني، مِن منظارٍ روحيٍّ وليسَ زمنيِّ، هو الأقنومُ الثاني في الثالوثِ، إبنُ اللهِ الآبِ. اللهُ تَجَسَّدَ لِيَصيَر إنساناً، الإلهُ المتَجَسِدُ القادِرُ على الكلامِ وجهاً لِوَجهٍ مَعَ الإنسانِ الذي خَلَقَهُ. وحوارُ اللهِ مَعَ الخليقةِ يَعكِسُ حوارَ الآبِ مَعَ الإبنِ.
بَعدَ اللهِ الآبِ، لدينا اللهُ الإبنُ، نسبةً لاشعياءِ النبيّ، “السيّدُ الربُّ فَتَحَ لي اُذنًا وانا لَم اُعانِد. الى الوراءِ لَم ارتَدّ.” (اشعيا ٥٠٫٥)
هَذِهِ العلاقَةُ بينَ الآبِ والإبنِ هي مِثالِيَةٌ، مُتَحِدَةٌ، وقد وَرَدَ في إنجيلِ يوحنا “من رآني فَقَد رأى الآبَ” . العلاقَةُ تَظهَرُ مِن خِلالِ كلِّ الأعمالِ، بالتَجَسُّدِ، التعليمِ، الحياةِ، العجائبِ وغيرهِ.
في البِدايةِ، كَشَفَ اللهُ عَن نَفسِهِ بِخلقِ الإنسانِ، الآنَ الإبنُ يَكشِفُ اللهَ بِتَجَسُدِّهِ. “كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ” (متى ١١.٢٧). مِن دونِ المسيحِ يَستَحيلُ أن نَفهَمَ اللهَ.
اللهُ إذاً كَشَفَ عَن نَفسِهِ بالإبنِ بواسِطَةِ سرِّ التَجَسُدِ.
وَبِحَسَبِ القديسِ مَكسيموسَ المعتَرِف “بِظهورِ المسيحِ بالجَسَدِ للبشريّة، عرَّفَهُم على الآبِ المجهولِ”، “الكَلِمَةُ صارَ جسداً وحلّ بيننا” كما جاءَ في الإنجيلِ بِحَسَبِ يوحنا، ولم يُغادر “حضنَ الآبِ”، لذلِكَ هو الوسيطُ الوحيدُ بَينَ اللهِ والبَشَرِ كما جاءَ في رِسالَةِ بولسَ الأولى إلى تيموثيوس. فَمِن خِلالِ تَجَسُدِهِ، اللهُ يُعلّمُنا اللاهوتَ. واللاهوتُ ليسَ بالكلامِ أو القولِ فَقَط، اللاهوتُ هو في العَيشِ، الفِعلِ والخبرةِ. وكلُ شيءِ قالَهُ المسيحُ وَعَمِلَهُ هو “لاهوتٌ”.
إنتهى مقال الشيخ اميليانوس.
نستطرد بقولٍ للمطرانِ بولس يازجي، والمطران جورج خُضُر ضمنَ هذا السياقِ.
زارَ ثلاثةُ طلاّبٍ من كليّةِ اللاهوتِ في تسالونيك جَبَلِ آثوس، وقصدوا ناسكاً هناك، فسألهم هذا الأخيرُ بعدَ استقبالِهِ إيّاهم: مَن أنتم؟ أجابوه: لاهوتيّون. فسألهُم بدهشةٍ: أعرِفُ أنّ في الكنيسةِ ثلاثةَ لاهوتيّين، أَأصبحوا الآن ستّة؟ اللاهوتيّونَ هُم جماعةٌ تريدٌ أن تعطيَّ لتجسِّدِ المسيحِ ابنِ اللهِ في العالمِ حقَّهُ وقيمتَهُ، أي أن تقيمَ لهُ نسلاً في عالمٍ ينسى اللهَ حيناً ويتناساهٌ حيناً آخر. اللاهوتيُّ ليس مدرِّسَ ديانةٍ وإن درَّسَهَا. (المطران بولس يازجي)
خلاصَةُ القول “إذا إختلينا إلى اللهِ في هدأَةِ الدعاءِ يتساوى عندنا اللاهوتيُ المحترِف والمؤمنُ البسيطُ. ونشتركُ معًا بالطعامِ السماويِ الواحد. وننمو في إطارِ العبادةِ الواحدةِ. ولا فَرقَ بين أن نجتَهِدَ بالكلامِ ومن شَهِدَ بالصمتِ كلُّنا بهذا المعنى لاهوتيٌ لكونِنا أحرارًا من عبوديةِ الفلسفةِ وأيُ شيءٍ طارقٌ علينا مِن دُنيانا. الكنيسةُ مصليّة خادِمَة. هذا هو جوهَرُها” المطران جورج (خضر )
ترجمة : أُسرة الإستعداديين – مركز جبل لبنان